26. المعمدانيُّون والتعليم
‘‘مَخافَةُ الرَّبِّ رأسُ المَعرِفَة، أمَّا الجاهِلونَ فيَحتَقِرونَ الحِكمَةَ والأدَبَ’’.
(أمثال 1: 7)
يؤمنُ المعمدانيُّون بالحاجة إلى توفير التعليم المسيحيِّ للجميع وتقديمه بأساليبَ عدَّة، وهم يدعمون هذا التعليمَ بأموالهم ووقتهم ومواهبهم، لذا تُعدُّ الطائفةُ المعمدانيَّةُ بالفعل طائفةً تعليميَّة.
أسباب الدعم المعمدانيِّ للتعليم المسيحيّ
يستندُ التزامُ التعليم المسيحيِّ بقوَّةٍ إلى تعاليم الكتاب المقدَّس، مَثَلُه في ذلك مَثَلُ جميع معتقدات المعمدانيِّين وتأكيداتهم الثمينة. فيشدِّدُ الكتاب المقدَّس على أهمِّيَّة إثراء العقل والروح أيضًا، وعلَّم يسوع قائلًا: ‘‘تُحِبُّ الربَّ إلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ، ومِنْ كُلِّ نَفسِكَ، ومِنْ كُلِّ فِكرِكَ’’ (متَّى 22: 37).
الكتاب المقدَّس هو أفضلُ مكانٍ يُمكننا أن نجدَ فيه معرفةَ الله، إذ يُعلِّمنا: ‘‘اجتَهِدْ أنْ تُقيمَ نَفسَكَ للهِ مزكَّى، عامِلًا لا يُخزَى، مفَصِّلًا كلِمَةَ الحقِّ بالِاستِقامَة’’ (2تيموثاوس 2: 15). وتجعلنا الأسفار المقدَّسة حكماء ‘‘للخَلاص’’ (2تيموثاوس 3: 15)، لذا يتضمَّنُ التعليمُ الكامل دراسة الكتاب المقدَّس.
غير أنَّ التعليمَ المسيحيَّ أكثر من مجرَّدِ دراسةِ الكتاب المقدَّس. وما دام الله هو خالقَ كلِّ شيء (تكوين 1-2؛ كولوسِّي 1: 16) فإنَّ التعليمَ المسيحيَّ يشملُ دراسةَ العالم المادِّيِّ والتفكيرِ اللاهوتيّ، ويُضيف هذا التعليم بُعدًا إيجابيًّا للسعي وراء المعرفة وطلبها.
يقدِّم المعمدانيُّون أيضًا تعليمًا مسيحيًّا؛ لأنَّهم يؤمنون بأنَّه يُساعد على إقامة كنائسَ قويَّةٍ وفعَّالة، ويُسهِم في حِفْظِ نظامٍ اجتماعيٍّ عادلٍ ومستقرّ. ويعملُ التعليمُ المسيحيُّ ليس فقط على إعداد الأشخاص ليكونوا أعضاء إيجابيِّين في الكنائس، بل أيضًا ليكونوا أعضاءً بنَّائين في المجتمع.
علاقة التعليم المسيحيِّ بالمبادئ المعمدانيَّة الأُخرى
تؤدِّي المعتقدات ونظامُ الإدارة المعمدانيُّ إلى التزام التعليم المسيحيّ. وفي المقابل، يُعزِّز التعليم المسيحيُّ المبادئَ والممارسات المعمدانيَّة المختلفة. مثلًا، يدعو الإيمانُ المعمدانيُّ بسُلطة الكتاب المقدَّس إلى قدرة الناس على قراءة الكتاب المقدَّس وفهمه، ويصقلُ التعليمُ المسيحيُّ هذه المهارات.
يدعو الإيمانُ المعمدانيّ، بواسطة المقدرة الممنوحة للنَّفس وكهنوت جميع المؤمنين، إلى التعليم المسيحيّ. ورغم أنَّ المقدرةَ الممنوحة للنَّفس هي عطيَّة من الله وليست إنجازًا بشريًّا، فإنَّ التعليمَ المسيحيَّ يُثري هذه المقدرة على معرفة الله واتِّباعه، لذا فالتعليمُ والتدريبُ المسيحيَّين يُمكنهما أن يُعزِّزا خدمةَ الكهنة المؤمنين.
يُقوِّي التعليم المسيحيُّ كلا النظامَين المعمدانيَّين- الإدارة الجماعيَّة واستقلال الكنيسة المحلِّيَّة- وتُساعِد معرفة المعتقدات والممارسات المعمدانيَّة وطريقة تطويرها وسببها، أعضاء الكنيسة على الوفاء بمسؤوليَّاتهم في الإدارة.
تصير الكرازة والإرساليَّات والخدمة وتطبيق الإنجيل في الحياة اليوميَّة أكثر فاعليَّة بواسطة التعليم المسيحيّ، ويوفِّر التعليم والتدريب المهارات والمعرفة اللازمة للأشخاص لتنفيذها. ويؤمِّنُ الراسخون جيِّدًا في الكتاب المقدَّس والتاريخ بواسطة التعليم المسيحيِّ الحرِّيَّة الدينية ويُسهِمون في تنميتها.
أنواع التعليم المسيحيّ
يُوفِّر المعمدانيُّون المواردَ لأنواعٍ كثيرةٍ من التعليم المسيحيّ، سواء كان التعليمُ رسميًّا أم غير رسميّ، ويوفِّرون مدارسَ من أنواعٍ مختلفةٍ للأشخاص لتلقِّي التعليم الرسميّ. وهُم يُتيحون أيضًا المواردَ للأفراد للحصول على تعليمٍ غير رسميّ، وتعليمٍ ذاتيٍّ أيضًا. ويتلقَّى كثيرٌ من الأشخاص الذين ينقصُهم التعليم الرسميُّ تعليمًا جيِّدًا بعد استخدام الموارد المتنوِّعة المتاحة لهم.
يعتقد المعمدانيُّون أنَّ التعليم للجميع، ويوفِّرون فُرصًا تعليميَّة للأطفال والكبار، وللذكور والإناث، وللأشخاص من جميع الأعراق والميول الدينيَّة والأوضاع الاقتصاديَّة، ويتوافرُ تدريس مجموعةٍ كبيرةٍ من الموادِّ بوسائلَ متنوِّعة.
يُقدَّمُ بعض التدريس والتدريب أصلًا لقيادة الكنيسة، وليسَتْ لدى الطائفة المعمدانيَّة متطلَّباتٌ محدَّدة لمستوًى تعليميٍّ ضروريٍّ لرِسامة قسٍّ أو قائدٍ مسيحيٍّ آخر. لكنْ نظرًا إلى إيمان المعمدانيِّين بقيمة التعليم، فقد أنشأوا مدارسَ لتقديم التعليم لمثل أولئك الأشخاص، مع إدراك أنَّ كثيرين كانوا قادةً فعَّالين بصرف النظر عن تعليمهم الرسميّ.
إنَّ التعليم المسيحيَّ للأشخاص العاديِّين مهمٌّ أيضًا للمعمدانيِّين الذين ينظرون إلى جامعاتهم ليس فقط بوصفها مؤسَّساتٍ لتوفير التعليم لأولئك الذين في الخدمة المهنيَّة للكنيسة، بل أيضًا للأشخاص في جميع مناحي الحياة.
أساليبُ التعليم المسيحيّ
يستخدم المعمدانيُّون مجموعةً متنوِّعةً من الأساليب وأنظمة التوصيل لتوفير التعليم المسيحيّ، وتُشارك فيها الكنائس وجمعيَّات الكنائس والطوائف والمؤسَّسات والمنظَّمات المختلفة.
تُقدِّم الكنائس التعليم المسيحيَّ بوسائلَ عدَّة، كالعِظات، وصفوف التعليم للفئات العمريَّة المختلفة، ومدارس دراسة الكتاب المقدَّس في العطل، وتنظيمات للرِّجال والنساء، وبرامج دراسيَّة مختلفة، ومكتبات الكنيسة، والخلوات…وغيرها من الوسائل. وفضلًا عن الكتاب المقدَّس والعقيدة، تُدرَّس موادُّ أُخرى عدَّة أيضًا. ويوفِّر عددٌ من الكنائس التدريبَ اللازمَ للتوظيف مثل محو الأُمِّيَّة ومهارات العمل، وتُشغِّلُ مئات الكنائس الحضانات والمدارس الابتدائيَّة والثانويَّة.
توفِّر جمعيَّات الكنائس التعليم والتدريب بواسطة المخيَّمات الصيفيَّة والمؤتمرات ومراكز الخلوات والندوات. ويُنفِّذُ بعضُ الأشخاص تعليمًا مستمرًّا للرعاة وقادة الكنيسة الآخرين، بالتعاون عادةً مع كلِّيَّة لاهوت.
تُشجِّعُ الهيئات الحكوميَّة والمعمدانيَّة الوطنيَّة المؤسَّساتِ التعليميَّة، كالأكاديميَّات وكلِّيَّات اللاهوت والجامعات والمعاهد الدينيَّة، وتنتخِبُ الأُمناء وتوفِّر الدعم الماليّ. وتعمل المدارس المعمدانيَّة الأُخرى باستقلالٍ عن هذه الهيئات. وتقدِّمُ الهيئات التعليميَّة المعمدانيَّة برامجَ للحصول على درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وأيضًا على دوراتٍ غير أكاديميَّة، وغيرها من الفرص التعليميَّة.
تُشارِك المدارس المعمدانيَّة في الكرازة والإرساليَّات والخدمة. وهي تعمل ليس فقط على تجهيز الأشخاص لتأدية هذه الأمور في المستقبل، بل توفِّر أيضًا سُبُلًا للطلبة وأعضاء هيئة التدريس والخدَّام للقيام بها في الوقت الحاضر، ويُنظَر إلى المشاركة في مثل هذه الأنشطة بوصفها عنصرًا حيويًّا في التعليم المسيحيّ.
يُنتِج المعمدانيُّون عددًا كبيرًا من الموارد للأغراض التعليميَّة، كالكُتُب والصحُف والمجلَّات والأفلام ومقاطع الفيديو والمحتوى الإلكترونيِّ والملفَّات الصوتيَّة، وتتيحها الكنائس والجمعيَّات والمؤسَّسات والهيئات المعمدانيَّة الوطنيَّة والدوليَّة. علاوةً على التعليم المسيحيِّ المتميِّز، يُساعِد الكثيرُ من المعمدانيِّين على توفير التعليم عامَّة، وذلك بالعمل في المدارس الحكوميَّة والخاصَّة من مرحلةِ ما قبل المدرسة، وصولًا إلى برامج الدراسات العُليا في الجامعة.
التحدِّيات المتعلِّقة بالتعليم المسيحيّ
يتعامَل المعمدانيُّون مع عددٍ من التحدِّيات المتعلِّقة بالتعليم المسيحيّ. مثلًا، في طائفة تتَّسمُ بالتنوُّع على نحوٍ متزايد، تظهرُ حاجةٌ إلى مجموعةٍ واسعةٍ من الموارد التعليميَّة لتلبية احتياجاتِ مجموعةٍ متنوِّعةٍ وكبيرةٍ من الأشخاص.
وفي سياقٍ متَّصل، تتصدَّى الكنائس للتحدِّي المتمثِّل في جَعْل الناس يشاركون في الفُرص التعليميَّة، وتعجُّ أوقاتُ الأشخاص الصغار والكبار بعشرات الأنشطة. وينبغي أن يكونَ التعليمُ الكنسيُّ ملائمًا وجذَّابًا ومتاحًا بمجموعةٍ متنوِّعةٍ من الوسائل.
تتعامَلُ الكلِّيَّات والمعاهد الدينيَّة مع القضايا التي غالبًا ما تكون خِلافيَّة، كالحرِّيَّة الأكاديميَّة ومؤهِّلات المعلِّمين ومحتوى المناهج الدراسيَّة، كما أنَّ طريقةَ دَمْج الإيمان المسيحيِّ والمساعي الأكاديميَّة تمثِّلُ تحدِّيًا مستمرًّا يواجِهُ المعمدانيِّين. ومن الضروريِّ عدم تهميش المبادئ المعمدانيَّة، بل أن تكونَ في قلب العمليَّة التعليميَّة التي توفِّر تجرِبةً أكاديميَّة عاليةَ الجودة.
تُثيرُ العلاقة ما بين الجامعات والكِيانات الطائفيَّة المعمدانيَّة، كالمجامع المعمدانيَّة، أسئلةً مهمَّةً في ما يتعلَّق بالإدارة والدعم الماليّ. ويُشير السجلُّ التاريخيُّ للمدارس المعمدانيَّة إلى أنَّه عندما تُخفِّفُ المدارسُ علاقتَها بالمجامع المعمدانيَّة، فإنَّها تميل لأنْ تصيرَ أقلَّ التزامًا تُجاهَ السمات المعمدانيَّة المميَّزة.
كان الدعمُ الماليُّ الكافي للتعليم المسيحيِّ تحدِّيًا قديمًا. وإذا تضاءلَ دَعْم الطائفة للمدارس، قد تتحوَّل المؤسَّسات شيئًا فشيئًا إلى مصادرَ أُخرى، ويُمكن أن يؤدِّي هذا إلى تقليل الالتزام تُجاهَ المبادئ المعمدانيَّة.
الخلاصة
يقدِّمُ المعمدانيُّون تضحياتٍ كُبْرى لتوفير مجموعةٍ كبيرةٍ من الفُرص التعليميَّة للمعمدانيِّين وللآخرين أيضًا، وبذلك ينهضون بالكنائس والمجتمع عمومًا.
تحتاج الأجيال المقبلة إلى مواصلة المثال الذي قدَّمه المعمدانيُّون في الماضي ممَّن آمنوا بقوَّةٍ بالتعليم المسيحيّ.
‘‘لقد حان الوقت، كما لم يحدُث من قبل، الذي فيه يجب أن تخرجَ طائفتُنا المحبوبة باستحقاقٍ إلى إرساليَّتها العالميَّة بوصفها طائفةً تعليميَّة’’.
جورج دبليو. ترويت
قسٌّ معمدانيٌّ وقائد للطائفة، من عظته التي قدَّمها على دَرَج مبنى الكونغرس عام 1920م