3. يسوعُ المسيحُ هو ربّ
‘‘ويَعتَرِفَ كُلُّ لسانٍ أنَّ يَسوعَ المَسيحَ هو رَبٌ، لمَجدِ اللهِ الآب’’.
(فيلبِّي 2: 11)
إنَّ لكلمة ‘‘ربّ’’ معانيَ وتعريفاتٍ عدَّة؛ فنحن المؤمنين نعترف أنَّ يسوع المسيح ربٌّ لأنَّنا مدينون له بالولاء الكامل والخدمة التي تقدِّم المحبَّة والطاعة المخلِصة، بسبب هُوِيَّته وما فعله لأجلنا.
تتمسَّك كلُّ مجموعاتِ المؤمنين بالحقِّ المتمثِّل أنَّ يسوع هو ربّ، لكنَّ المعمدانيِّين يُركِّزون على هذا الحقِّ تركيزًا خاصًّا، ويؤمنون بأنَّ يسوعَ هو الربُّ الوحيد للحياة، ولا يقبَلون أيَّ شخصٍ آخَر ليكونَ ربًّا للمؤمنين، سواءٌ كان فردًا أم كنيسة. وبسبب هذا الإيمان، عانى المعمدانيُّون مثل المؤمنين الأوائل، جرَّاء الاضطهاد على أيدي الحكومات والسُّلطات الدينيَّة.
أهمِّيَّةُ الالتزام المعمدانيِّ مسألةَ ربوبيَّة المسيح
لماذا تمسَّك المعمدانيُّون بكلِّ قوَّةٍ بربوبيَّة المسيح وحدَه؟ يمكننا أن نتَّخذَ موقفنا بناءً على قناعات أساسيَّة عدَّة تتضمَّن ما يلي:
- يُعلِّمنا الكتاب المقدَّس ربوبيَّة المسيح، ويرى المعمدانيُّون أنَّ الكتاب المقدَّس هو السُّلطة المكتوبة الوحيدة للإيمان وتطبيقه وممارسته.
- تتطلَّب تعاليم الكتاب المقدَّس عن المقدرة الممنوحة للنَّفْس ألَّا يخضع أيُّ مؤمنٍ لسلطةٍ مطلقةٍ غير الله: الآب والابن والروح القدس.
- ينبعُ تركيزُ الكتاب المقدَّس على المقدرة الممنوحة للنَّفْس من ربوبيَّة المسيح.
- يتأسَّس نموذج العهد الجديد للكنيسة على ربوبيَّة المسيح؛ إذ إنَّ المسيحَ وحدَه هو رأس الكنيسة.
تعاليم الكتاب المقدَّس عن ربوبيَّة المسيح
يُقدِّم الكتاب المقدَّس أسبابًا عدَّة توضِحُ لماذا يسوعُ هو ربٌّ للجميع؛ لأنَّه هو الله، أحد الأقانيم الثَّلاثة في الثالوث الأقدس. وقد أعلن الربُّ يسوع: ‘‘أنا والآبُ واحِد’’ (يوحنَّا 10: 30). ويقول الكتاب المقدَّس عن يسوع: ‘‘فإنَّهُ فيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلءِ اللاهوتِ جَسَديًّا’’ (كولوسِّي 2: 9).
ماتَ يسوع على الصليب ليحملَ خطايا كلِّ العالم، لذا فهو يستحقُّ كلَّ التسبيح والإكرام بوصفه ربًّا. وهذا ما يقولُه الرسول يوحنَّا: ‘‘مستَحِقٌّ هو الخَروُفُ المَذبوحُ أنْ يأخُذَ القُدرَةَ والغِنَى والحِكمَةَ والقوَّةَ والكَرامَةَ والمجدَ والبَرَكَة’’ (رؤيا 5: 12).
قام يسوع مِن بين الأموات معلنًا قُدرته وغلبته على الموت نفسه، وعندما نتقابَلُ مع المسيح المقام مِن بين الأموات، نهتفُ مثلما فعل توما الرسول والتلميذ: ‘‘رَبِّي وإلهي!’’ (يوحنَّا 20: 28).
صعدَ الربُّ يسوع إلى السماء وجلسَ عن يمين الآب ليشفَعَ فينا، وسيأتي مرَّةً أُخرى ويسكن معنا في سماءٍ جديدةٍ وأرضٍ جديدة، وسنقفُ في رهبة وخشوع معلِنين: ‘‘تعالَ أيُّها الرَّبُّ يَسوع’’ (رؤيا 22: 20).
مدى ربوبيَّة المسيح
يوضِحُ الكتاب المقدَّس مدى ربوبيَّة المسيح بوسائلَ عدَّة، إذ يذكُر أنَّ يسوعَ هو ربُّ الخليقة. يقول الرسول بولس: ‘‘لكَيْ تجثوَ باسمِ يَسوعَ كُلُّ ركبَةٍ مِمَّنْ في السَّماء، ومَنْ علَى الأرض، ومَنْ تحتَ الأرض، ويَعتَرِفَ كُلُّ لسانٍ أنَّ يَسوعَ المسيحَ هو رَبٌّ، لمجدِ اللهِ الآب’’ (فيلبِّي 2: 10- 11).
يعلِّمنا الكتاب المقدَّس أنَّ يسوعَ هو ربُّ كلُّ إنسان، ويُنكر الكثيرون هذه الربوبيَّة، أو يفشلون في إدراكها. لكنَّ ربوبيَّةَ المسيح عند المؤمنين هي أمرٌ جوهريّ. في الواقع، تبدأ الحياة المسيحيَّة بالاعتراف أنَّ يسوعَ ربّ، وهذا ما ورد في رسالة رومية: ‘‘لأنَّكَ إنِ اعتَرَفتَ بفَمِكَ بالرَّبِّ يَسوعَ، وآمَنتَ بقَلبِكَ أنَّ الله أقامَهُ مِنَ الأموات، خَلَصت’’ (رومية 10: 9).
يؤكِّدُ الكتاب المقدَّس أنَّ يسوعَ هو ربُّ الكنيسة، وقد أعلنَ عن نفسه قائلًا: ‘‘علَى هذِهِ الصَّخرَة أبني كنيسَتي، وأبوابُ الجَحيمِ لن تقوَى علَيها’’ (متَّى 16: 18). وكتبَ بطرس الرسول عن يسوع: ‘‘وأخضَعَ كُلَّ شَيءٍ تحتَ قَدَمَيه، وإيَّاهُ جَعَلَ رأسًا فوقَ كُلِّ شَيءٍ للكَنيسَةِ التي هي جَسَدُه’’ (أفسس 1: 22-23).
ربوبيَّة المسيح والمقدرة الممنوحة للنَّفْس
يُعلِّمنا الكتاب المقدَّس أنَّ ربوبيَّةَ المسيح مباشرة، فلا يستطيعُ أحدٌ أو مؤسَّسة أن يستوليَ على سلطانِ المسيح على المؤمن، ويُمكن بالتأكيد أن يكتسبَ الأشخاصُ رؤيةً أو فَهمًا منَ الآخرين، لكنَّ يسوع وحده له السُّلطان المطلَق على المؤمن.
تفترضُ دعوةُ أن تكونَ تلميذًا ليسوع، القدرةَ على معرفة مشيئة المسيح واتِّباعها. وتُشير تعاليم الكتاب المقدَّس عن القدرة الممنوحة للنَّفْس إلى أنَّ الأشخاصَ يتمتَّعون بالقدرة التي وهبهم إيَّاها الله لمعرفة مشيئته وتتميمها؛ فالأشخاص ليسوا مجرَّدَ دُمَى، بل منحَهُم الخالقُ الحرِّيَّة ومسؤوليَّة الاختيار.
يُقاوِم المعمدانيُّون جهودَ الأفراد والمسؤولين الرسميِّين والمنظَّمات الدينيَّة التي تسعى إلى إملاء مشيئةِ يسوع المسيح على أتباعه، ويصرُّون على أنَّ لكلِّ شخصٍ القدرةَ والمسؤوليَّةَ أن يعرفَ مشيئةَ الربِّ يسوع، ويتبعها مثلما أعلنَ التلاميذ الأوائل: ‘‘يَنبَغي أنْ يُطاعَ الله أكثَرَ مِنَ الناس’’ (أعمال 5: 29).
ربوبيَّة المسيح تفرضُ الحرِّيَّة الدينيَّة
يُقصَد بربوبيَّة المسيح أن يتمتَّع الأشخاص والكنائس بحرِّيَّةٍ من أيِّ إجبارٍ أو إلزامٍ تفرضُه الجهات الرسميَّة أو المنظَّمات الدينيَّة في ما يتعلَّق بالأمور الروحيَّة والدينيَّة. وقد ظلَّ المعمدانيُّون يستنكرون دائمًا الجهودَ الرامية إلى إجبار الناس على أمورٍ معيَّنة، وقد تمسَّكوا بإعلانِ أنَّ يسوع ربّ، ودفعوا ثمنًا باهظًا لقاءَ هذه المقاومة.
مثلًا، في مطلع القرن السابع عشر، ادَّعى الملك جيمس الأوَّل، ملك إنكلترا، أنَّه رئيس الدولة والكنيسة أيضًا في إنكلترا، وطالَبَ جميعَ الكنائس أن تتوافَق مع مشيئته. لكنَّ توماس هيلويس، وهو قِسٌّ معمدانيّ، ألَّف كتابًا بعنوان ‘‘إعلانٌ موجَزٌ لسرِّ الإثم’’ (A Short Declaration of the Mystery of Iniquity)، وقد أصرَّ فيه على أنَّه ليس للملك الحقُّ أن يُمليَ على الأشخاص والكنائس ما يؤمنون به. وقد أرسل هيلويس نسخةً من هذا الكتاب إلى الملك جيمس، ومعه رسالةٌ مكتوبةٌ بخطِّ اليد جاء فيها: ‘‘الملك إنسانٌ فانٍ وليس إلهًا، وليست لديه سُلطة على النُّفوس الخالدة من رعاياه، ولا أن يشرِّعَ القوانين ويضعَ الفرائض لهم، ولا أن يحدِّد الأربابَ الروحيِّين لهم’’. وبسبب هذا التصريح، الذي يُعلنُ حقَّ الكتاب المقدَّس، أمرَ الملك بسجن هذا القسِّ الذي ماتَ بين جدران السجن في النهاية، رافضًا أن يعترفَ بأيِّ شخصٍ آخر سوى يسوعَ المسيحِ ربًّا للكنيسة.
ربوبيَّةُ المسيح وكنيسة العهد الجديد لا تنفصلان بعضهما عن بعض
ما المقصود بأنَّ كلا من الكنائس والمؤمنين الذين هُم جزء منها يخضع لربوبيَّة المسيح؟ من جهة، يُقصَد بذلك أنَّهم يجب أن يعترفوا بالمسيح ربًّا، ويجب أن تنتميَ الكنيسةُ إلى المسيح؛ لأنَّ المسيحَ هو رأسُ الكنيسة، كما أنَّ المؤمنين لا يتسلَّطون على الكنيسة بل المسيح مَن يفعل ذلك.
من ناحيةٍ أُخرى، على كلِّ عضوٍ في الكنيسة إدراكُ أنَّ لديه الفرصةَ والمسؤوليَّةَ لاتِّخاذ القرارات المتعلِّقة بالكنيسة تحت ربوبيَّة المسيح. وهذا هو نموذجُ العهد الجديد للكنيسة. يتَّخذُ الأشخاصُ قراراتٍ بخصوص الكنيسة التي ينتَمون إليها، مثل القرارات المتعلِّقة باختيار الشَّمامسة والرُّعاة، وأساليب إنفاق العشور والتقديمات، ونوع المباني التي يشغلونها، لكنْ لا بدَّ من اتِّخاذ كلِّ قرارٍ من هذه القرارات في ضَوء حقيقةِ أنَّ يسوعَ المسيح هو ربُّ الكنيسة.
علاوةً على ذلك، جميع أعضاء جسدِ المسيح مسؤولون عن قرارات الكنيسة، ولا يوجد تسلسُلٌ هرميٌّ في كنيسة العهد الجديد، ولا يسود راعٍ أو شمَّاسٌ أو أيُّ فردٍ أو مجموعةٍ أُخرى على الكنيسة (1بطرس 5: 3)، بل وحده يسوع المسيح هو ربُّ الكلِّ والكنيسة كلِّها، على أن يسعى أعضاء الكنيسة، بالصلاة والنقاش باحترامٍ- وهُما قسمان من الشَّرِكة التي تتَّسم بالمحبَّة- إلى معرفة فِكر المسيح.
الخلاصة
ربوبيَّة المسيح عقيدةٌ مسيحيَّةٌ أساسيَّة، ويرى المعمدانيُّون أنَّ لها معنًى خاصًّا، وأنَّها مرتبطةٌ بالمعتقدات المعمدانيَّة الأساسيَّة الأُخرى، مثل سُلطة الكتاب المقدَّس، والمقدرة الممنوحة للنَّفْس، والحرِّيَّة الدينيَّة، وطبيعة النموذج الذي تقدِّمه الكنيسة على غرار كنائس العهد الجديد.