4. سُلطة الكتاب المقدَّس
‘‘كُلُّ الكِتابِ هو موحًى بهِ مِنَ الله، ونافِعٌ للتَّعليمِ والتَّوْبيخ، للتَّقويمِ والتَّأديبِ الذي في البِرّ، لكَيْ يكونَ إنسانُ اللهِ كامِلًا، متأهِّبًا لكُلِّ عَمَلٍ صالح’’.
(2تيموثاوس 3: 16-17)
على مرِّ الزمن، أصرَّ المعمدانيُّون على أنَّ الكتاب المقدَّس هو السُّلطة المكتوبة النهائيَّة والوحيدة للإيمان والممارسة المسيحيَّة. وقد قاوموا مَن ادَّعَوا خلافَ ذلك، بما فيهم البابوات والملوك والأساقفة والرُّعاة والمعلِّمون. ونتيجة ذلك، تعرَّضَ المعمدانيُّون للاضطهاد من كلِّ القوى الدينيَّة والعَلمانيَّة بسبب التزامهم نحو سُلطةِ الكتاب المقدَّس.
المعمدانيُّون مؤمنون بأنَّ الكتاب المقدَّس موثوقٌ به
يؤمنُ المعمدانيُّون بأنَّ الكتاب المقدَّس موثوقٌ به للإيمان والممارسة بسبب طبيعته الإلهيَّة، ويؤكِّدون أنَّ الطبيعة الإلهيَّة للكتاب المقدَّس هي أساسُ سُلطته، ولا يمكنُ مقارنة أيَّة كتابةٍ أُخرى به. ويقفُ الكتاب المقدَّس متفرِّدًا بين جميع الكتابات الأُخرى بتميُّزه وتفرُّده من الله وعن الله.
على مرِّ التّاريخ، قَبِل المعمدانيُّون ببساطةٍ سُلطةَ الكتاب المقدَّس بناءً على الإيمان بسُلطته الإلهيَّة، واقتبسوا النصوص المقدَّسة لإثبات صحَّة المعتقدات والممارسات المعمدانيَّة دون الحاجة إلى بَذْلِ الكثير من الجهود لإثبات الطبيعة الإلهيَّة للكتاب المقدَّس.
يمكن أن يشيرَ المعمدانيُّون وغيرهم إلى أدلَّة عدَّة على الطبيعة الإلهيَّة الموثوق بها للكتاب المقدَّس، مثل وَحدته المذهلة التي يتمتَّع بها رغم تنوُّع كتَّابه على مرِّ مئات السنين، وتتميم نبوَّات العهد القديم، كالنُّبوَّات الواردة عن حياة الربِّ يسوع وتعاليمه، والأهمِّيَّة المستمرَّة لرسالة الكتاب المقدَّس على مرِّ العصور، وقوَّة رسالته في تغيير الحياة والمجتمع، والشَّهادات المتكرِّرة في الكتاب المقدَّس بأنَّه كلمة الله.
طبيعة سُلطة الكتاب المقدَّس
يؤكِّد المعمدانيُّون أنَّ الكتابَ المقدَّس هو السُّلطة الوحيدة المكتوبة للإيمان والممارسة المسيحيَّين، ويشدِّدون على أنَّه ليسَتْ للكتابات الأُخرى، مثل العقائد، وإقرارات الإيمان، والتقاليد، وتعاليم اللاهوتيِّين، وإعلانات مؤسِّسي الطَّوائف، مثل هذه السُّلطة. ومع أنَّ المعمدانيِّين يعبِّرون عن تقديرهم لبعض هذه الوثائق، فإنَّهم يرفضون قبولَها على أنَّها موثوق بها.
اتَّهم بعض الأشخاص المعمدانيِّين بعبادة الكتاب المقدَّس، بسبب تقديرهم الكبير والاستثنائيِّ له، وتأكيدهم أنَّه موثوقٌ به، ونحن بالتأكيد لا نعبدُ الكتابَ المقدَّس، بل نعبد إلهَ الكتاب المقدَّس؛ لأنَّه صاحبُ السُّلطة المطلَقة. وهذا الكتاب موثوق به لأنَّه من الله وعنه، وهذا أحد الأسباب التي تجعلُ المعمدانيِّين يُشيرون باستمرارٍ إلى الكتاب المقدَّس حاسبين إيَّاه السُّلطة المكتوبة الوحيدة؛ فالله هو صاحب السلطان المطلَق والروح القدس قد أوحى إلى أشخاصٍ لكتابة الكتاب المقدَّس مثلما جاء في كتاب ‘‘الإيمان المعمدانيُّ والرسالة’’: ‘‘إنَّه كنزٌ كامل من التعاليم الإلهيَّة، والله هو مؤلِّفه، والخلاص هو غايته والحقُّ دون أيِّ مزيجٍ من الخطأ هو ما يهتمُّ به’’. هكذا أصبح الكتاب المقدَّس عندنا وحيًا إلهيًّا.
يسوع المسيح هو الإعلانُ الكامل من عند الله، والكتاب المقدَّس يُعلن أنَّ يسوع المسيح هو ربُّ الكلّ، ويُمكننا ملاحظة أنَّ ربوبيَّة المسيح وسُلطة الكتاب المقدَّس متلازمتان وغير متناقضتَين بل تُكمِّلان بعضهما بعضًا.
يؤمنُ المعمدانيُّون بأنَّ الروحَ القدسَ مكَّنَ الأشخاص وأعطاهم قوَّةً ليس فقط لتسجيل الحقِّ الإلهيّ، بل أيضًا لتنوير الأشخاص لتَفسير الكتاب المقدَّس وتطبيقه.
الكتاب المقدَّس هو سُلطةٌ دينيَّةٌ في الأساس. يقول هيرشل هوبس، اللاهوتيُّ والقِسُّ المعمدانيُّ المعروف، في كتاب ‘‘الإيمان المعمدانيُّ والرسالة’’: ‘‘الكتاب المقدَّس هو كتابٌ دينيٌّ في الأساس، وقَولُ إنَّه موثوق به لا يعني أنَّه كذلك في كلِّ مجالٍ مِن مجالات التفكير البشريّ’’. ووضَّح هوبس كلامَه أيضًا: ‘‘لم يذكُرِ الكتابُ المقدَّس أيَّ ادِّعاءٍ بأنَّه كتابُ تاريخٍ أو أدبٍ أو فلسفةٍ أو عِلمِ نفس أو أنَّه كتابٌ علميّ، لكنَّه يحتوي على عناصرَ حقيقيةٍ لكلِّ هذه المجالات وغيرها’’.
سُلطةُ الكتاب المقدَّس مرتبطةٌ بمعتقداتٍ معمدانيَّةٍ أساسيَّةٍ أُخرى
الكتاب المقدَّس أساسيٌّ للعقيدة المعمدانيَّة والنظام الأساسيِّ في الكنيسة؛ لأنَّ المعمدانيِّين يرَونَ أنَّه السُّلطة المكتوبة الوحيدة للإيمان والممارسة. وعلى مرِّ العصور، كثيرًا ما اقتبسَتْ إقراراتُ الإيمان المعمدانيَّة آياتٍ من الكتاب المقدَّس عن كلِّ عقيدة مدرَجة.
وبالاستناد إلى الكتاب المقدَّس، يبني المعمدانيُّون معتقداتهم بخصوص ‘‘الخلاص بالنعمة بالإيمان وحده’’، و‘‘كهنوت المؤمنين’’، و‘‘المقدرة الممنوحة للنَّفس’’، و‘‘معموديَّة المؤمن’’، و‘‘الطبيعة الرمزيَّة للمعموديَّة والعشاء الربَّانيّ’’، و‘‘عضويَّة الكنيسة للمولودين ثانيةً وحدهم’’، و‘‘إدارة الكنيسة’’، و‘‘الاستقلال الذاتيِّ للكنائس’’، و‘‘الحرِّيَّة الدينيَّة‘‘، و‘‘التعاون الطوعيِّ للإرساليَّات والخدمة’’.
ترتبط بعض هذه القناعات الأساسيَّة على نحوٍ خاصٍّ بالطريقة التي يرى بها المعمدانيُّون الكتاب المقدَّس ويُفسِّرونه. مثلًا، الإيمانُ بالقدرة الممنوحة للنَّفْس وكهنوت جميع المؤمنين يقودُ المعمدانيِّين إلى الإصرار على أنَّ كلَّ مؤمنٍ كاهنٌ، ولدَيه القدرة على قراءة الكتاب المقدَّس وفهمه، وأنَّ فرصة كلِّ مؤمنٍ كاهنٍ ومسؤوليَّته في قراءة الكتاب المقدَّس وتفسيره لا ينبغي تفويضُها للآخرين. ويصرُّ المعمدانيُّون أيضًا على أنَّه لا يوجَدُ شخصٌ آخر أو مجموعةٌ من الأشخاص ينبغي أن يُعطوا لأنفسِهم الحقَّ في إملاء ما يُؤمن به الآخرون.
يُعلنُ المعمدانيُّون أنَّ الجميعَ يجب أن يتمتَّعوا بحرِّيَّة امتلاك الكتاب المقدَّس وقراءته وتفسيره بأنفسهم. واستنادًا إلى حياة الربِّ يسوع وتعاليمه، يصرُّ المعمدانيُّون على أنْ لا أحَدَ يُمكن أن يُكرِه شخصًا آخرَ على الإيمان، ولا أن يُحاول فعل ذلك حتَّى، ولا ينبغي أيضًا فَرْضُ تفسيرٍ معيَّنٍ للكتاب المقدَّس على الآخرين.
تفسير تعاليم الكتاب المقدَّس
هل يَلوحُ في الأُفق شيءٌ منَ الخطر في إعلان أنَّ جميعَ المؤمنين ينبغي أن يكونوا أحرارًا في تفسير الكتاب المقدَّس لأنفسهم؟ دون شكّ، قد ينتج عن التفسيرات الغريبة مثل هذا الخطر؛ لأنْ ليس جميعُ الأشخاص متساوين في النُّضج أو النموِّ المسيحيِّ أو على القَدْر نفسه منَ المعرفة بمبادئ تفسير الكتاب المقدَّس.
لكنَّ البديلَ أكثر خُطورة، ويتمثَّل في الإيمان بوُجود قلَّةٍ لديهم السُّلطة لتحديد ما يُعلِّمه الكتاب المقدَّس. وفي النهاية، مَن ذا الذي يمتلكُ مثل هذه السُّلطة ليضعَها في أيدي شخصٍ أو مجموعة؟ علاوةً على ذلك، يختلف أساتذةُ الكتاب المقدَّس اختلافًا كبيرًا في تفسيراتهم لبعض أجزاء الكتاب المقدَّس، ومن ثَمَّ مَنِ ذا الذي يستطيع تحديد التفسيرات الصحيحة بالفعل؟
أيعني هذا أنَّ لدى الإنسان الحرِّيَّة التامَّة في تصديق أيِّ شيءٍ يريده عن الكتاب المقدَّس وتعاليمه والإيمان به؟ يُعلن المعمدانيُّون أنَّهم أحرارٌ في تفسير الكتاب المقدَّس، لكنَّ هذا لا يعني أنَّ كلَّ تفسيرٍ يُقدِّمونه يكونُ صحيحًا.
يُصرُّ المعمدانيُّون على أنَّ هناك مسؤوليَّةً كبيرةً تلازم حرِّيَّة تفسير الكتاب المقدَّس، وعلى القرَّاء دراسة الكتاب المقدَّس بروح الصلاة والتحلِّي بالتواضُع والاعتماد على إرشاد الرُّوح القدس ومشارَكة تفسيرات الكتاب المقدَّس مع شركةٍ من المؤمنين لاكتساب أفكارٍ جديدة، كما يجب الاستعانة بالمبادئ السَّليمة والصحيحة للتفسير، ومقارنةِ تفسير الشخص بالتفاسير التي يقدِّمها المؤمنون الناضِجون، سواء الماضية أم الحاضرة، لاكتساب أفضلِ فَهمٍ ممكن.
الخلاصة
يختلف المعمدانيُّون في نواحٍ عدَّة بخصوص الكتاب المقدَّس. وعندما يختلف المعمدانيُّون بشأن عقائدَ أو ممارساتٍ معيَّنة، فإنَّهم يستعينون بالكتاب المقدَّس، وليس بمواردَ أُخرى؛ لأنَّ الكتابَ المقدَّس هو صاحبُ السُّلطة الوحيدة التي تستطيع أن تحكمَ على مواقفهم. ورغم أنَّ المعمدانيِّين قد يختلفون بشأن تعاليم الكتاب المقدَّس عن عقائد وممارسات معيَّنة، فنحن نتَّفقُ أنَّ الكتاب المقدَّس هو سُلطتنا الوحيدة المكتوبة والنهائيَّة للإيمان والممارسة.
‘‘نؤمنُ بأنَّ النُّصوص المقدَّسة في العهدَين القديم والجديد هي نصوصٌ أوحى بها الله، وتشمل النظامَ الحقيقيَّ الوحيدَ للإيمان والممارسة’’.
اقتباسٌ من ‘‘موادُّ الإيمان’’ التي اعتمدها ‘‘الاتِّحاد المعمدانيّ’’ في تكساس عام 1840م