19. المعمدانيُّون والعبادة
‘‘هَلُمَّ نَسجُدُ ونَركَعُ ونَجثو أمامَ الرَّبّ’’.
(مزمور 95: 6)
‘‘المعمدانيُّون “شعب كنيسة حُرَّة” يُمكنه التعبير عن عبادتِه بمجموعةٍ كبيرةٍ من الممارَسات في الكنيسة’’.
وليم إستيب
اقتباسٌ مِن ‘‘لماذا المعمدانيُّون؟ دراسة الإيمان والتُّراث المعمدانيَّيْن’’
تأتي كلمة ‘‘عبادة’’ مِن كلمة إنكليزيَّة قديمة يُقصَدُ بها ‘‘استحقاق’’. وتُعلن العبادة بالقَول والفعل أنّ الله يستحقُّ حُبَّنا وتكريسنا الكامل وطاعتنا التامَّة في كلِّ جانبٍ من جوانب الحياة (رؤيا 5: 12).
طبيعة العبادة
نحن نُعلِن بالطريقة التي نعيش بها أنَّ الله يستحقُّ تكريسَنا الكامل (رومية 14: 8)، ونُثبتُ محبَّتنا لله بخدمتنا للآخرين بالكرازة والإرساليَّات والخدمة والجهود المبذولة لإقامة عالمٍ أكثر عدلًا وإنسانيَّة.
يؤكِّد المعمدانيُّون هذه الجوانب المختلفة للعبادة، ويعتقدون أيضًا أنَّ هناك أوقاتٍ للعبادة التي نُركِّز فيها تركيزًا كاملًا على الله وعلاقتنا به. وتوفِّرُ هذه الأوقات فرصةً للتعبير عن الحبِّ والتسبيح لله والاعتراف بالخطيَّة وطلب الغفران من الله، وتقديم شكرنا وطلباتنا أمامه.
وأعلنَ المعمدانيُّون أهمِّيَّة العبادة الشخصيَّة للأفراد، والعبادة العائليَّة في البيوت، والعبادة الجماعيَّة في الكنائس، على أن تتَّسمَ كلُّ طريقةٍ منها بالحرِّيَّة.
العبادة في جماعة المؤمنين
يعتقد المعمدانيُّون أنَّ العبادةَ الجماعيَّة هي مكوِّنٌ أساسيٌّ في حياة الكنيسة (عبرانيِّين 10: 25)، لكنَّ العهدَ الجديدَ لا يقدِّمُ تعاليمَ محدَّدةً بشأن العبادة الجماعيَّة، بل يذكُرُ بعض الأمثلة عن كيفيَّة تقديم المؤمنين الأوائل للعبادة.
لا تحدِّدُ الطائفة المعمدانيَّة أنماط العبادة في الكنائس أو أيِّ أمرٍ آخر. وعند النظر إلى الكتاب المقدَّس لطلب الإرشاد اللازم، نجد أنَّ كلَّ جماعةٍ من المؤمنين تُقرِّر بحرِّيَّةٍ طريقةَ عبادتها. وتختلف العبادة في جماعات المؤمنين المعمدانيَّة ما بين الكنائس، لكنَّ بعضَ العناصر تكون دائمًا موجودةً مثل الحرِّيَّة التي تُعدُّ السِّمةَ المميِّزة في كلِّ هذه الكنائس.
يوم العبادة الجماعيَّة وتوقيتها يختلف ما بين المعمدانيِّين. لكنْ يُقيمُ معظمُ المعمدانيِّين خدماتِ العبادة يوم الأحد (أعمال 20: 7؛ 1كورنثوس 16: 2)، ويختلف عدد الخدمات وتوقيتها في اليوم بين الكنائس.
الأشخاص الذين يقودون العبادة مختلفون؛ ففي النمط النموذجيِّ لخدمة العبادة، يقودُ الراعي ويَعظُ الكنيسةَ، ويقود أحد المرنِّمين وقت التسبيح، في حين يقود الأعضاء المعيَّنون أو الخدَّام في الكنيسة وقتَ الصلاة العامَّة، ويُقدِّمون الاختبارات، ويجمعون التقدِمات. ويتمتَّعُ مَن يقودون العبادة بالحرِّيَّة في ارتداء الملابس بأيَّة طريقةٍ ترى جماعة المؤمنين أنَّها مناسبة.
الكتاب المقدَّس جوهريٌّ في العبادة المعمدانيَّة (2تيموثاوس 3: 15-17)، ولا تمتلك الطائفة المعمدانيَّة أيَّة سُلطةٍ توجِّه بها طريقةَ استخدام الكتاب المقدَّس؛ فالكنائس حرَّةٌ في اختيار ترجمات الكتاب المقدَّس والنصوص التي تقرأها، وتحديد توقيت قراءة الكتاب المقدَّس في أثناء الخدمة. ويُمارس قراءةَ الكتاب المقدَّس الأفرادُ والجماعة كلُّها.
الصلاةُ أساسيَّة في خدمات العبادة المعمدانيَّة، سواء كانت صلاةً شخصيَّةً أم عامَّة (مرقس 11: 17؛ فيلبِّي 4: 6)، ولا توجد صلاةٌ محدَّدةٌ تابعةٌ للطائفة. ويمكن أن يقودَ الصلاةَ أيُّ عضوٍ من جماعة المؤمنين، لكنْ غالبًا ما يقود راعي الكنيسة ‘‘الصلاة الراعويَّة’’ التي قد تكون مكتوبةً مسبَّقًا، لكنَّها عادةً ما تُردَّد بتلقائيَّة.
العظةُ جُزءٌ أساسيٌّ من العبادة المعمدانيَّة (أعمال 20: 7-9؛ 2تيموثاوس 4: 2)، ويتمتَّعُ الواعظ بحرِّيَّة اختيار موضوع العظة وفكرتها ونوعها والنصِّ المستخدَم. ولا تُملي الطائفة أيًّا من هذه النقاط على الواعظ الذي يُحدِّد أيضًا طريقةَ الوعظ، فبعض الوُعَّاظ يقرأون الموضوع، في حين أنَّ معظمهم يعظون بارتجالٍ مع الاستعانة ببعض الملاحظات.
تؤدِّي الموسيقا دورًا مهمًّا في خدمات العبادة المعمدانيَّة (مزمور 100: 2؛ أفسس 5: 19)، وتبدو الحرِّيَّة واضحةً هنا أيضًا. ومع أنَّ جماعة المؤمنين تُشارك عمليًّا في الترنيم والتسبيح في جميع الكنائس، فإنَّ نوعَ الموسيقا يختلف اختلافًا كبيرًا من مكانٍ إلى آخر. وفضلًا عن جماعة المؤمنين، يُمكن سماع الفِرَق الموسيقيَّة وفِرَق التسبيح والعازفين ومجموعة المرنِّمين في العبادة المعمدانيَّة. كما تختلف الآلات الموسيقيَّةُ المستخدَمة في العبادة، وتتضمَّنُ البيانو وآلة الأرغن وآلات أُخرى مختلفة.
الاختباراتُ سِمةٌ مشتركةٌ في خدمات العبادة المعمدانيَّة، ويعتمد موضوعُ الاختبار على الشخص الذي يقدِّمه، والنقطة التي تركِّز عليها الكنيسة في ذلك الوقت.
تجمع الكنائس عادةً التقدِمات في أثناء الخدمات (1كورنثوس 16: 1-2)، وتتلقَّى الكنائس المعمدانيَّة الدعم بواسطة العشور والعطايا التي تُقدَّم بسخاءٍ وطَواعِية.
يطلبُ معظمُ المعمدانيِّين من الحضور اتِّخاذ قراراتٍ كجزءٍ من خدمات العبادة مثل أن يتقدَّم الضالُّون ويُعلنوا إيمانهم بيسوع ربًّا ومُخلِّصًا شخصيًّا لحياتهم، أو أن يتَّخذَ الأشخاصُ قراراتٍ ليكونوا أعضاءً في الكنيسة، أو أن يعيد ‘‘المرتدُّون’’ تكريس حياتهم للمسيح، أو يعلن أشخاصٌ رغبتَهم في التفرُّغ ‘‘للخدمة’’ بدوامٍ كامل. وعادةً ما تُشجِّع الكنيسة الأشخاصَ على التصريح بقراراتهم علانِيَة، وأن يُشاركوها في أثناء ‘‘ترنيمة الدَّعوة’’ بعد العظة.
المعموديَّة والعشاء الربَّانيُّ قد يكونان جزءًا من خدمة العبادة. ومرَّة أُخرى، كلُّ جماعةٍ من المؤمنين حرَّةٌ لاختيار وقتِ أداء هاتَين الفريضتَين وطريقتهما.
يُمكن أن تحدُثَ خدمةُ العبادة في أيِّ مكانٍ تقريبًا. وعادةً ما تحدُث في مبنى مصمِّم لهذا الغرض.
يختلف تصميم مباني العبادة حسب رغبة الكنيسة ومواردها، ويُعدُّ الترتيبُ الشائعُ هو أن تجلسَ جماعة المؤمنين في مواجهة مائدة العشاء الربَّانيِّ التي تكون في المقدِّمة أمام المنبر الذي يُوضَع عليه كتاب مقدَّس، في حين يكون مكان المعموديَّة في الجزء الخلفيِّ من المنبر. ويُبرزُ هذا الترتيبُ مركَزيَّة إعلان كلمة الله في العبادة، وأهمِّيَّة فريضتَي المعموديَّة والعشاء الربَّانيّ.
العبادة والمعتقدات المعمدانيَّة الأُخرى
ترتبطُ العبادةُ ارتباطًا وثيقًا بالعقائد المعمدانيَّة ونظام الإدارة. مثلًا، الإيمان بربوبيَّة المسيح يُوجِّه القناعة المعمدانيَّة التي تؤكِّدُ أنَّ على الكنائس التركيزَ في العبادة على يسوع، وأن تطلُبَ مشيئتَه وتتَّبعها.
تَظهرُ القناعة المعمدانيَّة بخصوص الكتاب المقدَّس بصفته السُّلطة اللازمة للإيمان والممارسة، في العبادة بواسطة مركَزيَّة الكتاب المقدَّس.
يستحقُّ الكتاب المقدَّس مكانةً أساسيَّةً في عبادة الله لأنَّه مِن الله وعنه؛ لذا فهو أساسُ الصلوات والعظات والموسيقا.
من المؤكَّد أنَّ تعاليمَ الكتاب المقدَّس عن كهنوت المؤمنين (1بطرس 2: 5؛ رؤيا 1: 6؛ 10: 5)، والمقدرةِ الممنوحة للنَّفس، والإدارةِ الجماعيَّة، والاستقلالِ الذاتيِّ للكنيسة المحلِّيَّة (أعمال 6: 1-6؛ 13: 1-3؛ 2كورنثوس 8: 1-8)- تُقوِّي جميعُها القناعات المعمدانيَّة التي ترى أنَّ أيَّ مؤمنٍ مؤهِّلٍ لقيادة العبادة، وكلَّ كنيسةٍ خاضعةٍ لربوبيَّة المسيح يجب أن تكونَ حرَّةً في اختيار مكان العبادة وعناصرها وقادتها.
تُسهمُ القناعة المعمدانيَّة التي تؤكِّد أنَّ يسوع أعطى فريضتَي المعموديَّة والعشاء الربَّانيِّ للكنيسة (متَّى 28: 18-20؛ 1كورنثوس 11: 23-29)، في تُوجيه كلٍّ من الترتيب المادِّيِّ لمركَز العبادة ووجود الفريضتَين في وقتِ العبادة.
إنَّ تعاليم الكتاب المقدَّس بأنَّ الخلاص بالنعمة وحدَها بالإيمان بالمسيح (أفسس 2: 8-10) تقودُ العبادةَ المعمدانيَّة لتوضيح أنْ لا وسيلةَ أُخرى للخلاص بخلافِ الإيمان.
يُشرقُ نورُ الحرِّيَّة الدينيَّة (غلاطِيَّة 5: 1) في مفهوم العبادة المعمدانيَّة. وحتَّى تكونَ العبادةُ صادقة، يجب أن تكونَ اختياريَّةً دون إجبار، وأن تتمتَّعَ الكنائس بالحرِّيَّة في تحديد يوم العبادة وتوقيتها ومكانها وترتيبها. ويجب ألَّا تؤدِّي هذه الحرِّيَّة إلى الارتباك، لا سيَّما في ضَوء التزام المعمدانيِّين العميق تُجاهَ قيادة الروح القدس وخضوعهم له (غلاطِيَّة 5: 18)، بل يجب أن يكونَ كلُّ شيءٍ ‘‘بلياقةٍ وبحسب ترتيب’’ (1كورنثوس 14: 40).
الخلاصة
تختلفُ العبادة المعمدانيَّة لله اختلافًا كبيرًا ما بين الكنائس، لكنَّ هناك عناصرَ موجودةً دائمًا تقريبًا بسبب القناعات المعمدانيَّة الأساسيَّة. ومهما كان شكل العبادة المعمدانيَّة، فيجب أن تسعى دائمًا إلى تمجيد الله، ولا أحدَ سواه.